قلت: {جناتِ}: عطف بيان لحُسن مآب، أو: بدل. و{مفتَّحة}: حال من {جنات عدن}. والعامل فيها: الاستقرار في {للمتقين}. و{الأبواب}: نائب الفاعل لمُفتَّحة. والرابط بين الحال وصاحبها: إما ضمير مقدّر، كما هو رأي البصريين، أي: الأبواب منها، أو: الألف واللام القائم مقامه، كما هو رأي الكوفيين، أي: أبوابها. و{متكئين}: حال من ضمير {لهم}، والعامل فيه: {مفتحة}. و{يَدْعُون}: إما استئناف، أو: حال مما ذكر، أو: من ضمير {متكئين}.يقول الحق جلّ جلاله: {هذا} أي: هذا الذي ذكر من الآيات الناطقة بمحاسن الأنبياء والرسل، {ذِكْرٌ} أي: شَرَفٌ لهم، وذِكْر جميل يُذكرون به أبداً، أو: نوع من الذكر، أي: القرآن. وآيٌ منه مشتمل على أنباء الأنبياء، أو: تذكير ووعظ؛ لأنه يذكر أحوال الأكابر ليقتدي بهم، أو: ذكر مَن مضى الأنبياء، أو: شرف لك؛ لأنه معجزة لك يدلّ على صدقك، {وإِنَّ للمتقين} أي: جنس المتقين، أو: مَن ذكر مِن الرسل، عبّر عنهم بالمتقين مدحاً لهم بالتقوى؛ إذ هي غاية الكمال. {لَحسنْ مآبٍ}؛ مرجع.ثم بيَّنه بقوله: {جنات عدنٍ}؛ إقامة {مفتحةً لهم الأبوابُ} فإذا جاؤوها لا يلحقهم ذلّ الحجاب، ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والترحيب، {متكئينَ فيها} على أرائكهم في حِجالهم، {يَدْعُون فيها بفاكهةٍ كثيرة} مما يشتهون {وشرابٍ} كثير كذلك، حذف اكتفاء بالأول، والاقتصار على دُعاء الفاكهة للإيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكُّه والتلذُّذ، دون التغذي والحاجة، فإنه لا تَحلُل في الأبدان ولا حاجة.{وعندهم} حور {قاصِراتُ الطَّرْفِ} على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم، {أترابٌ}؛ لِداتٌ، أسنانُهنّ كأسنانهم. قيل: ثلاث وثلاثون سنة لكل واحد، أو: مستويات في الحُسن والجمال والشكل؛ لأن التحابّ بين الأقران أبلغ وأثبت، وقيل: أتراب بعضهن لبعض، لا عجوز فيهن ولا صبية. واشتقاقه من التراب، فإنه يمسَّهن في وقت واحد.{هذا ما تُوعدون ليوم الحساب}، قال ابن عرفة: اللام للتوقيت، أي: عنده، أو: للتعليل، فإن الحساب علَّة للوصول إلى الجزاء. وقرأ المكي والبصري بياء الغيب، ليُوافق ما قبله، والالتفات أليق بمقام الامتنان والتكريم. {إِنَّ هذا} الذي ذكر من ألوان النعيم والكرامات {لَرِزْقُنا} أعطيناكموه، {ما له من نفاذٍ}؛ من انقطاع وتمام أبداً.الإشارة: كل مَن توجه إلى الله بكليته، واتصف بمحاسن الأخلاق، كان له ذكر وشرف في الدنيا، وكرامة في العُقبى، بما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.